بقلم: أ.د. سامي العريان

أصوات/ يوليو 2024

في 22 سبتمبر/أيلول 2023، أيْ قبل أسبوعين من طوفان الأقصى، ألقى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول “شرق أوسطٍ جديد”، حيث تفاخر في الخطاب بقوة “إسرائيل” ومكانتها في الحفاظ على الأمن الإقليمي. كما أنّه حَمل خريطةً ورسم خطًّا يمتّد من الهند، عبر الخليج العربي، ومنه إلى الإمارات والسعودية والأردن، حتّى وصل إلى مدينة حيفا الساحلية، ومنها إلى أوروبا. ولقد أُطلق على هذا المشروع الكبير إسم ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، وهي مبادرة ترعاها الولايات المتحدة لمواجهة مبادرة الطريق والحزام الصينية (RBI).

على مدى عقدٍ من الزمان على الأقل، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة توجيه استراتيجيتها للأمن القومي على المستوى العالمي من أجل التركيز على أهمّ التحدّيات الجيوسياسية التّي تواجهها، خصوصًا أمام صعود الصين وكذلك روسيا التّي تسعى إلى استعادة مكانتها. أمّا في منطقة الشرق الأوسط، والذّي يُعتبر من أكثر المناطق أهميّةً لمصالح الولايات المتحدة، فإنّها اختارت تقليص وجودها العسكري وإسناد دور تأمين مصالحها والحفاظ على استقرار المنطقة لاثنين من أكثر حلفائها الموثوق بهم، وهما إسرائيل والسعودية. هذه السياسة شبيهة بمبدأ نيكسون، الذّي تمّ تبنّيه في أوائل السبعينيات والذّي يُشار إليه باسم “الركائز التوأم” أو “Twin Pillars”. باختصار، تبنّت الولايات المتحدة هذه السياسة حيث أعادت تموضع قواتها من خلال الاستعانة بقوى إقليمية لمهمّة حماية الأمن والمصالح الاقتصادية الأمريكية في الشرق الأوسط.بالإضافة إلى ذلك فإنّ إدارة ترامب استطاعت من خلال “اتفاقات أبراهام” التّي عقدتها بين الكيان الاسرائيلي والعديد من الدول العربية خلال عامها الأخير في السلطة، انتقال إسرائيل من كونها حليفًا غير عضو في القيادة العسكرية الأوروبية (الناتو)، ودمجها في هيكل القيادة المركزية، وهي القيادة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن حماية المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية التّي تمتّد من مصر إلى أفغانستان. أمّا إدارة بايدن فإنّها أيضًا  تبنّت هذه السياسة بحماسة عندما تولّت السلطة في يناير/كانون الثاني 2021، حيث قام الرئيس الجديد يوم تنصيبه بتعيين بريت ماكغورك لتنفيذ هذه السياسة ورعايتها بصفته المسؤول الرئيس عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض. منذ ذلك الحين، قام ماكغورك، وهو المعروف بتأييده لإسرائيل بشكلٍ مسعور وأنّه ذو عقلية استعمارية استعلائية، بالعمل بجدّية للتوصّل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، والذّي كان من المتوقّع التوصّل إليه في أوائل عام 2024. وبموجب هذه الصفقة، كانت “إسرائيل” تأمل في فرض قوتها على المنطقة، وتعزيز مكانتها في العالم الإسلامي، وتأكيد تصوّرها الذاتي عن نفسها باعتبارها القوة المهيمنة إقليميًا. إلّا أنّ هذه الخطة انهارت في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، كان الكيان الصهيوني وإدارة بايدن عازمين على استعادة صورة الجيش الإسرائيلي الذّي يَصِف نفسه بأنّه لا يقهر، حيث تصدّعت هذه الصورة بقوة في 7 أكتوبر. ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية لجيشها العنان في حرب إبادةٍ جماعية تهدف إلى إحداث دمارٍ شاملٍ في غزة، ممّا يجعلها غير صالحةٍ للحياة، بل ومعاقبة سكّانها بوحشية، خاصّة النساء والأطفال والمسنين.على الرغم من الدمار غير المسبوق الذّي حدث في غزة خلال الأشهر التسعة الماضية، والذّي أدّى إلى عددٍ هائل من الشهداء والجرحى، وتدميرٍ لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد مُني الكيان الإسرائيلي بهزيمةٍ استراتيجيةٍ كبرى كما تآكلت عقيدته العسكرية. هذه العقيدة تتكوّن من عدّة محدّدات عسكرية اعتمد عليها الكيان الصهيوني في بقائه وأمنه منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعة عقود.لقد كان أحد الركائز الأساسية لعقيدة الأمن القومي الإسرائيلي هو مفهوم “الحدود الآمنة”. حاول الكيان الصهيوني طوال فترة وجوده إنشاء مناطق عازلة حول حدوده والتأكّد من أنّ الأنظمة المحيطة به ستبقى ضعيفة، ولكنّها قادرة أيضًا على خدمة المصالح الإسرائيلية والغربية. كان الغزو الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء المصرية في عامي 1956 و1967 يهدف إلى تحويلها إلى منطقةٍ عازلة. وحتّى عندما وافق النظام المصري في عهد الرئيس أنور السادات على توقيع “معاهدة سلام” مع إسرائيل في سنة 1979، فإنّ الاتفاقية فعليًا حوّلت سيناء إلى منطقةٍ عازلة، حيث إنّها حدّت من السيادة المصرية والوجود العسكري المصري في سيناء.وعلى نحو مماثل، احتّل الكيان الصهيوني مرتفعات الجولان السورية في عام 1967، وضمّها بشكلٍ أحاديٍ رسمي في سنة 1981 بحجّة إنشاء منطقة عازلة هناك. بعد ذلك بسنة، أيْ في سنة 1982، غزت إسرائيل لبنان من أجل تأمين منطقةٍ عازلةٍ في لبنان تمتّد حتّى نهر الليطاني، الذّي يبعد حوالي 27 كيلومترًا عن حدوده الشمالية. وبعد 18 سنة من الاحتلال العسكري، اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب في عام 2000 من المنطقة الأمنية المعلنة والتّي تبلغ مساحتها حوالي 850 كيلومترا مربعًا بعد أن تكبّدت مئات الضحايا في ظلّ المقاومة الشرسة التّي قادها حزب الله اللبناني.باستخدام نفس المنطق، فإنّ الكيان الصهيوني يُعلن على الدوام أنّ غور الأردن يجب أن يكون تحت السيطرة الإسرائيلية حتّى يكون بمثابة منطقةٍ عازلةٍ مع الأردن. وعندما أصرّ نتنياهو على هذا الموقف خلال مفاوضاته مع جاريد كوشنر من أجل “صفقة القرن” التّي طرحها ترامب في سنة 2020، ضمّت النسخة النهائية للخطة غور الأردن كجزءٍ من الأراضي التّي سيسمح للكيان الإسرائيلي بالاحتفاظ بها.رغم كلّ ذلك، فإنّ ما أظهره هجوم 7 أكتوبر والحروب التّي أعقبته في الجبهات المختلفة ضدّ الكيان الصهيوني هو أنّ مفهوم الحدود الإسرائيلية الآمنة هو مجرّد أسطورة. فعلى الرغم من كلّ التطورات الأخيرة في التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار عالية الدقة، فلقد تمكنت أطراف المقاومة المختلفة من ضرب أهداف إسرائيلية حساسّة حسب رغبتها، بل وفي استهداف عمق الدولة نفسها. إنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية تقوم على ستّة مبادئ هي: الضربات الاستباقية، أنظمة الإنذار المبكّر، الردع الفعّال، الدفاع القوي، الحسم السريع، والتصعيد المهيمن. إلّا أنّ الشيء المؤكّد أنّه منذ السابع من أكتوبر قد تمّ إضعاف أو تقويض كلّ هذه العناصر.منذ تأسيس كيانها وخلال صراعاتها العديدة، اعتمدت إسرائيل على ضرب أعدائها أولاً أو استخدام ما يُعرف عسكريًا بالضربات الاستباقية. باستثناء حرب عام 1973، دأب الكيان الإسرائيلي على المبادرة بالصراع من خلال الهجمات أو الغزوات المفاجئة، بما في ذلك في السنوات 1948 و1956 و1967 و1982 و2006، بالإضافة إلى الحروب الأربع التّي شنّها على غزة بين عامي 2008 و2021. صدمت ضربة 7 أكتوبر الكيان الصهيوني من حيث قوتّها وتأثيرها البعيد المدى، حيث شنّت حماس هجومها الجريء على أهدافٍ إسرائيلية متعدّدة، بما في ذلك قواعد عسكرية ومقرّ المخابرات المشرف على غزة والعديد من المستوطنات القريبة. في غضون ساعات قليلة، أصاب الهجوم عدّة وحدات عسكرية إسرائيلية بالشلل، ممّا هزّ ثقة الجمهور الإسرائيلي في قيادته العسكرية والسياسية.أمّا العنصر الثاني الذّي اعتمدت عليه العقيدة العسكرية الإسرائيلية فهو قدرتها على حماية الكيان من خلال أنظمة الإنذار المبكّر المتفوقة. لعقودٍ من الزمن، كان الكيان الإسرائيلي يتفاخر بشبكاته الاستخباراتية البشرية التّي لا مثيل لها والقادرة على اختراق أعدائها والقضاء عليهم، فضلاً عن أنظمة المراقبة التكنولوجية المتقدّمة والمجهزة لوقف التسلّل والانتهاكات الأمنية. ومع ذلك، فإنّ الفشل الهائل الذّي مُنيت به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، فضلاً عن عجزها على التعرّف على حجم شبكات أنفاق حماس والجهاد، أو أنظمة الأسلحة المتقدّمة لدى حزب الله، أو قدرات إيران الباليستية، يشير إلى تآكلٍ كبير لهذا المُحدّد.أمّا العنصر الثالث وربّما الأكثر أهمية في العقيدة العسكرية الإسرائيلية فهو الردع الفعّال. يعتمد الموقف العسكري الإسرائيلي تاريخيًا إلى حدٍّ كبير، على قدرته على ردع أعدائه على أن يتجرؤوا على مهاجمتها خوفًا من ردِّ فعلٍ ساحقٍ ومدمّر. وربّما تُفسّر هذه الحتمية جزئيًا الشراسة والوحشية التّي مارسها الكيان الصهيوني في غزة بعد هجوم حماس بالنسبة لانتهاكه قوانين الحرب أو جميع الاتفاقيات الإنسانية الدولية المعمول بها.لكن وعلى الرغم من سلوك الكيان الوحشي والهمجي، لم يتّم ردع أحد، وبالتأكيد ليس فصائل المقاومة في غزة، التّي تواصل القتال في حرب استنزافٍ شرسة. لم يفشل الكيان الصهيوني فقط في تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة في غزة، مثل القضاء على المقاومة، أو إطلاق سراح الأسرى، أو انهاء حكم حماس، كما لم يتمكن أيضًا من إملاء أيّ شروطٍ لإنهاء الحرب على الرغم من الضغوط العسكرية والسياسية الهائلة التّي مورست على فصائل المقاومة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وجهاتٍ دوليةٍ أخرى. وعلى نحو مماثل، لم يتّم ردع حزب الله في لبنان ولا الحوثيين في اليمن. ولعلّ الكيان الإسرائيلي يواجه للمرّة الأولى في تاريخه، أطرافًا مقاتلةً شرسة تُواصل ضربه، وتستنزف قواه، بل وتقلّل من قدرته على ترويع وتخويف أعدائه، وهي سمةٌ اعتمد عليها باستمرار منذ تأسيسه.العنصر الرابع في مجموعة المحدّدات العسكرية الإسرائيلية هو الدفاع القوي. منذ تأسيسها، قدّمت إسرائيل جيشها على أنّه جيشٌ قويٌّ ومنضبطٌ لا يقهر، بل قادرٌ على هزيمة كلّ أعدائها مجتمعين. لم يعتنق الإسرائيليون هذه الصورة فحسب، بل أصبحت معتقدًا مشتركًا أيضًا في العديد من البلدان حول العالم، خاصّةً وأنّ الولايات المتحدة تُزوّد الكيان الصهيوني بشكلٍ متزايدٍ بأنظمة الأسلحة الأكثر تقدّمًا في العالم وتتقاسم معه المعلومات الاستخباراتية الأكثر حساسية. ومع ذلك، منذ السابع من أكتوبر، لم يشعر المواطنون الإسرائيليون قط بأنّهم أكثر عرضةً للخطر. لقد اضطر مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين إلى النزوح من الشمال والجنوب لأكثر من ثمانية أشهر والانتقال إلى وسط البلاد، حيث لا يزالون غير قادرين على العودة إلى مستوطناتهم. بل غادر في الواقع أكثر من نصف مليون إسرائيلي البلاد فعليًا في الأشهر التسعة الماضية بسبب عدم اليقين من النصر وتدهور الأمن في جميع أنحاء البلاد.عندما هاجمت إيران في نيسان/أبريل الماضي الكيان الصهيوني ردًّا على الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في سوريا، فإنّ إسرائيل احتاجت إلى مساعدة عددٍ من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحتّى الأردن لصدّ الهجوم، وهو الذّي تمّ الإعلان عنه مسبقًا علنا، ولم يكن يهدف إلى التسبّب في خسائر بشرية أو ماديّة. باختصار، على الرغم من أنّ إسرائيل تمتلك أحدث التقنيات العسكرية الأمريكية والأوروبية وأكثرها تقدّمًا، إلاّ أنّ المواجهات التّي جرت في الأشهر القليلة الماضية على عدّة جبهات أظهرت أنّ هذا المبدأ قد تمّ إضعافه بشكلٍ كبير حيث لم يعد بإمكان الكيان الإسرائيلي الادعاء بأنّه قادرٌ على الدفاع بشكلٍ فعّال عن قواته العسكرية أو مواطنيه من أيّ تهديدات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إسرائيل قد أصبحت تدفع ثمنًا باهظًا من الخسائر العسكرية، والتّي بمرور الوقت سوف تقلّل من قدرتها على الادعاء بأنّ لديها دفاعًا قويًّا أو جيشًا ذا كفاءة. وكذلك ارتفعت الدعوات إلى تجنيد الطلاب الدينيين في الجيش بينما تصرّ الطوائف الدينية على عدم الخدمة في مؤسّسةٍ علمانية.وفي الوقت نفسه، قال وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان أنّ إسرائيل قد فقدت بالفعل لواءً كاملاً في غزة، والذّي يمكن أن يصل عدده من 2000 إلى 5000 جندي. ومع ذلك، لا يستطيع المتحدّث العسكري الإسرائيلي أن يعترف علنًا إلاّ بمقتل أقلّ من 600 جندي. ووفقًا لوزارة الدفاع، فقد أصيب أيضًا حوالي 9000 من جنود الكيان الإسرائيلي بالإعاقة نتيجةً لهذه الحرب. هذا يعتبر رقمًا كبيرًا يصعب تحمّله في غضون بضعة أشهر فقط عندما يأخذ المرء في الاعتبار أنّ مجموع الجنود الإسرائيليين المعاقين الذّين نجوا في الحروب السابقة على مدى عقود كان حوالي 61000.أمّا المبدأ الخامس الذّي تَمكّن الجيش الإسرائيلي من توظيفه بنجاحٍ في الحروب السابقة فهو الحسم السريع. في كلّ حروبه السابقة، كان الكيان الصهيوني يعلن قدرته على تحقيق أهدافه في أيّام أو أسابيع قليلة. أمّا الآن وبعد أكثر من تسعة أشهر من شنّ حرب إبادةٍ جماعيةٍ ومدمّرة، فشلت إسرائيل في تحقيق أيّ من أهدافها العسكرية أو السياسية. ولقد أدى هذا الفشل إلى استقطابٍ حادٍّ في الطبقة السياسية وزيادة إضعاف معنويات جيشها ومجتمعها.المبدأ السادس والأخير هو التصعيد المهيمن. هذا المُحدِّد يعني أنّه عندما تتعرّض إسرائيل لهجومٍ صعب وتحدّي عسكريٍ كبير، فإنّها ستُصعّد عسكريًا بلا حدود حتّى تتمكّن من التغلّب على أعدائها واخضاعهم لإملاءاتها، إلّا أنّ إسرائيل واجهت هذه المرّة ندًّا شرسًا. فعلى الرغم من الدمار الهائل والخسائر التّي لحقت بسكان غزة، فإنّ القدرة العسكرية الإسرائيلية في القضاء على المقاومة أو إنهائها في غزة أو لبنان كانت محدودة.علاوةً على ذلك، عندما أرسلت إيران عدّة صواريخٍ باليستية فإنّها وصلت إلى أهدافها العسكرية المقصودة في عمق الكيان، إلّا أنّ الردّ الإسرائيلي كان قاصرًا لدرجة أنّه لم يسبّب ردًّا مقابلا. كذلك لم يتمكّن الكيان الصهيوني من الردّ على التحدّي الذّي يمثّله الحوثيون في البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط، بل وطلب الكيان المساعدة من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية، دون نجاح يذكر.

 

بالإضافة الى ذلك، مع الوهن الكبير الذّي أصاب العقيدة العسكرية الإسرائيلية نتيجةً للحرب المستمرة في غزة، فإنّ العديد من الدول الإقليمية التّي كانت على استعدادٍ لتسليم مهمّة الحفاظ على استقرار المنطقة للكيان الإسرائيلي ممّا كان سيجعلها تحت سيطرته الفعلية، سوف تبدأ في الشكّ في قيمته، بل وفي قدرته على البقاء والحفاظ على فاعليته، ناهيك على أن يكون القوة الإقليمية المهيمنة.

لفد ارتكب نتنياهو وحكومة حربه كلّ جرائم الحرب المدانة دوليًا من حرب إبادةٍ وتطهيرٍ عرقيٍ وتجويعٍ وتدميرٍ للحياة وللإنسان الفلسطيني بعد هجوم السابع من أكتوبر، بحثًا عن نصرٍ بعيد المنال. لكن استراتيجيتهم العوراء وسلوكهم المتهوّر أدّى إلى تقويض كلّ عنصرٍ من محدّدات عقيدتهم العسكرية. في خضّم هذه العملية، أكدوا أيضًا فشلهم من خلال نسيان مبدأ القائد العسكري الصيني الشهير صن تزو الذّي يقول: «سوف يُهزم أولئك الذّين يقاتلون أولاً ثمّ يبحثون بعد ذلك عن النصر».  

* هذه المقالة نُشرت لأول مرّة بموقع عين الشرق الأوسط Middle East Eye يوم 5 يوليو/تموز 2024

البروفيسور سامي العريان مفكر وأكاديمي فلسطيني، وهو مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)وأستاذ الشؤون العامة بجامعة إسطنبول صباح الدّين زعيم-تركيا. تحصّل على شهادة الدكتوراه سنة 1986، وكان أكاديميًا بارزًا بالولايات المتحدة طيلة عقدين من الزمن متحصّلاً على أفضل جوائز التدريس بجامعة جنوب فلوريدا، إضافةً إلى منحٍ عديدة، كما يملك في رصيده أكثر من أربعين عملاً منشورا.

خلال عقودٍ أربعةٍ قضاها بالولايات المتحدة ما بين 1975-2015، أسّس الدكتور العريان عددًا من المؤسّسات، نشر العديد من الأعمال في مجالات التعليم، البحث، الدّين والمعتقدات، كما نشر أيضًا بمجال الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. كان متحدّثًا غزيرًا حيث ألقى محاضراته عبر العديد من الكلّيات الأمريكية، تمحورت بالأخصّ حول الشأن الفلسطيني، وشؤون الإسلام والغرب، والحقوق المدنية.

في سنة 2012، صنّفه مؤرّخون بموسوعة “منشقّون أمريكيون” باعتباره أحد ثلاثة مسلمين فقط في الولايات المتحدة من بين قائمة ضمّت 152 معارضًا وسجين رأيٍ تمّ إدراجهم في هذه السلسلة في القرن الماضي (إلى جانب مالكوم إكس ومحمد علي). ظهرت قصتّه الأمريكية سنة 2007 إثر فيلم وثائقي حاز على جائزة، حمل عنوان «الولايات المتحدة في مواجهة العريان»، ثمّ ظهرت في سنة 2016 بكتابٍ حمل عنوان «أن تكون فلسطينيًا».

كتب الدكتور العريان العديد من الدراسات وعشرات المقالات مُركّزا على السياسة الخارجية الأمريكية، فلسطين، وظواهر الربيع العربي. نُشر له سنة 2004 كتابٌ شعريٌ عن الروحانيات، فلسطين وحقوق الإنسان حمل عنوان «التآمر على يوسف»، كما ألفّ كتابا بعنوان «إزاحة الستار عن الصحوة العربية: فهم التحوّلات والثورات في الشرق الأوسط»، صدر تحت اسم مستعارٍ عن منشورات صندوق التعليم الأمريكي-واشنطن العاصمة سنة 2013. في سنة 2019، نشر الدكتور العريان كتابًا جديدًا صدر عن منشورات جامعة إسطنبول زعيم، حمل عنوان «الولايات المتحدة وإسرائيل: من التمكين إلى الشريك الإستراتيجي».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *