بقلم: إليزابيث إكونومي

ترجمة وعرض: جلال خَشِّيبْ

ترجمات/ أغسطس 2024

المحتويات:

  1. الرؤية العالمية العامّة للصين
  2. ركائزٌ أربع
  3. مقاربةٌ عالمية متعدّدة الأوجه
  4. تأثيرٌ متباين
  5. مجابهة النار بالنار
الكلمات المفتاحيّة: النظام الدولي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، نظام الصين البديل، إستراتيجية الصين متعدّدة المستويات

في هذا المقال تشرح إليزابيث إكونومي نوع النظام العالمي الذّي تسعى الصين لبلوغه حتّى يحلّ محلّ النظام الدولي الليبرالي الذّي تقوده الولايات المتحدة، ثمّ تحثّ بعدها صانعي السياسات الأمريكيين على التعلّم من تجربة الصين في هذا الصدد من أجل تحقيق الانتصار في المنافسة الطويلة ضدّها.

 

الرؤية العالمية العامّة للصين:

في القسم الأول، تعرض الكاتبة الخطوط العريضة لرؤية بيجين لنظامٍ عالميٍ جديد يتمحور حول مفاهيم التعدّدية والسيادة والأمن القائم على التوافق والتنمية، متحدّيةً بذلك هيمنة الولايات المتحدة. تنتقد الصين الولايات المتحدة لتمسّكها بـ “ذهنية الحرب الباردة”، وتعزيز الانقسام، والتدخّل في شؤون الدول الأخرى، وفرض الهيمنة الثقافية. في المقابل، تدّعي بيجين أنّ رؤيتها تدعو إلى التعاون العالمي الشامل، مع أدوارٍ تضطلع بها جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة. على سبيل المثال، في فعالياتٍ كمؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2024، تركّز الصين على الشَراكات مع القوى الكبرى ودول الجنوب العالمي، وتُقدّم نفسها كنصيرٍ لمبادئ التمثيل والتعاون، وكفاعلٍ مسؤول إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي العالمي.

علاوةً على ذلك، تُجادل الكاتبة بأنّ رؤية الصين تهدف إلى جذب جمهورٍ واسع، بتأكيدها على الخيارات غير الديمقراطية، وتمكين الديمقراطيات الصغيرة، ودفع القوى الكبرى لإعادة النظر في النظام الحالي. وفي الوقت الذّي قد يتهكّم فيه البعض من خطاب الصين، فإنّ عدم الرضا العالمي عن الوضع الراهن يزيد من تقبّل مقترحاتها. تروّج الصين لسردية الشمولية والتعاون، وتتحدّى في الوقت ذاته الهيمنة الغربية التقليدية في الشؤون العالمية.

 

ركائزٌ أربع:

توضح إليزابيث إيكونومي في القسم الثاني من المقال الركائز الأربعة الرئيسية لاستراتيجية الصين التّي تهدف من خلالها إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، وهي: مبادرة الحزام والطريق (BRI)، مبادرة التنمية العالمية (GDI)، مبادرة الأمن العالمي (GSI)، ومبادرة الحضارة العالمية (GCI). تهدف كلّ مبادرةٍ إلى تعزيز نفوذ الصين وترويج رؤيتها للحكم العالمي.

مبادرة الحزام والطريق، التّي أُطلقت في العام 2013، ركّزت في البداية على تطوير البنية التحتية لكنّها تطوّرت إلى أداةٍ لتوسيع النفوذ الجيوبولتيكي للصين. تهدف المبادرة إلى إدماج التكنولوجيا الصينية وتوسيع نطاقها العسكري والاقتصادي عالميًا، متحدّيةً هيمنة الولايات المتحدة. أمّا مبادرة التنمية العالمية، التّي تمّ تقديمها في العام 2021، فتركّز على دور الصين في التنمية العالمية. فمن خلال دعم المشاريع التّي تتماشى مع أولوياتها، تسعى الصين إلى تأكيد نموذجها الاقتصادي وتقليل أهمية حقوق الإنسان في الخطاب الدولي، معتبرةً التنمية بمثابة المحرّك الرئيسي للتقدّم. بخصوص مبادرة الأمن العالمي (GSI)، التّي تمّ الكشف عنها في العام 2022، فهي تروّج لبنيةٍ أمنيةٍ قائمةٍ على الحوار وعدم التدخّل، وتعارض التحالفات التّي تقودها الولايات المتحدة، وتُرافع لصالح السيادة المطلقة. تُقدّم هذه المبادرة “الحكمة الصينية والحلول الصينية” لتعزيز “السلام والهدوء العالميّيْن”، كما تدعو الدول إلى «رفض ذهنية الحرب الباردة، ومعارضة النزعة أحادية الجانب، ورفض السياسة الجماعية والمواجهة بين الكتل»، مثلما يشير إلى ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ. أخيرًا، فإنّ مبادرة الحضارة العالمية (GCI)، التّي تمّ الإعلان عنها في العام 2023، فتدافع عن التنوع الثقافي والتنموي، وتتحدّى فكرة النموذج العالمي الواحد لحقوق الإنسان. تهدف الصين إلى إضفاء الشرعية على نُظمها السياسية والاقتصادية وتقويض تأثير الديمقراطيات الليبرالية في ذات الوقت.

تشمل استراتيجية الصين متعدّدة المستويات: اتفاقياتٍ ثنائية، واندماجًا في المنظمات متعدّدة الأطراف، والتماشي مع أُطر الحوكمة العالمية. تُعتبر مبادرة الحزام والطريق نموذجًا يُحتذى به، حيث تُشارك فيها أكثر من 150 دولة وتُؤيّد مبادئها العديد من وكالات الأمم المتحدة. يختلف مستوى التقدّم الحاصل بين هذه المبادرات، حيث حصلت الصين مثلاً على دعمٍ دوليٍ لمبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، إذْ تدعم الأولى أكثر من 70 دولة وتؤيّد الثانية أكثر من 100 دولة. إضافةً لذلك فقد شجّع المسؤولون الصينيون مجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومنظمة شانغهاي للتعاون على تبنّي مفهوم مبادرة الأمن العالمي. ومن خلال نسج مبادراتها في النظام الدولي، تسعى الصين إلى إعادة تشكيل الحوكمة العالمية على صورتها الخاصّة، متحدّيةً الهيمنة الغربية ومُروّجةً لمصالحها الخاصّة، وفقًا لما تجادل به الكاتبة.

 

مقاربةٌ عالمية متعدّدة الأوجه:

يُوضّح القسم الثالث من المقال بشكلٍ مفصّل مقاربة بيجين متعدّدة الأوجه، التّي تُظهر التزامها بإعادة تشكيل المعايير والمؤسّسات العالمية. فمن خلال الاستثمار في الدبلوماسية، والنفوذ الإعلامي، والتكنولوجيا، والشَرَاكات الاستراتيجية، تُوسِّع الصين قوتّها الناعمة والصلبة، متحدّيةً الهيمنة الغربية ومُروّجةً رؤيتها عن الحوكمة العالمية. بفضل شبكةِ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ واسعة، وحضورٍ إعلامي كبير، تُسوّق الصين مبادراتها بفعالية على مستوى العالم. تستفيد الصين من شرِكاتها المملوكة للدولة والخاصّة لتُحصِّل نفوذًا، وخاصّةً في مجال التكنولوجيا، حتّى تُروّج لأجندتها. فمن خلال برامج التدريب والمساعدة التكنولوجية، تنشر الصين عبر العالم ممارساتها في الحوكمة، ممّا يقوّض المعايير العالمية لحقوق الإنسان، وفقًا للكاتبة. على سبيل المثال، تمتلك شبكة الأخبار الدولية الصينية (CGTN) ضعف عدد المكاتب الخارجية لشبكة CNN، وتمتلك وكالة أنباء شينخوا الرسمية الصينية أكثر من 180 مكتبًا حول العالم. وعلى الرغم من أنّ الإعلام الصيني غالبًا ما يُنظر إليه في الغرب على أنّه مجرّد أدواتِ دعايةٍ فجّة، إلاّ أنّه يمكن أن يقدّم صورةً إيجابيةً عن الصين وقيادتها. تُظهر الدراسات أنّ التعرّض للرسائل الصينية يتسبّب في تحويل تفضيلات الأفراد نحو النماذج السياسية والاقتصادية الخاصّة بالصين.

يُعزّز شي جين بينغ النفوذ الدبلوماسي للصين من خلال استغلال الأجهزة الأمنية، حيث تساهم أطر التعاون العسكري والمنتديات، مثل “منتدى الصين-إفريقيا للسلام والأمن”، في تعزيز مصالح الصين في التنمية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي، بما يتماشى مع رؤيتها للأمن التعاوني. على سبيل المثال، في العام الماضي، اجتمع أكثر من 100 مسؤولٍ عسكريٍ رفيع المستوى من حوالي 50 دولة إفريقية ومن الاتحاد الإفريقي في بيجين للمشاركة في “منتدى الصين-إفريقيا” الثالث للسلام والأمن. خلال هذا الحدث، التزمت الصين والمشاركون الأفارقة بإجراء تدريباتٍ عسكريةٍ مشتركة، متماشيةً مع مبادراتٍ مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة الأمن العالمي. يهدف هذا التعاون، المتكامل مع خطّة التنمية للاتحاد الإفريقي لسنة 2063، إلى تعزيز النمو الاقتصادي والسلام والاستقرار في جميع أنحاء القارة.

يعزّز صبر الصين الاستراتيجي ونزعتها لانتهاز الفرص من جدول أعمالها. على سبيل المثال، أحيَت الصين “طريق الحرير الصحّي” خلال فترة جائحة كوفيد-19، عارضةً لمواردها الطبية ومُروّجةً لتقنياتها الصحيّة. علاوةً على ذلك، تستغل الصين أحداثًا جيوبولتيكية، مثل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، للدعوة إلى التخلّص من الدولار في تعاملات الاقتصاد العالمي، وتُقدّم مصالحها من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق وبريكس.

 

تأثيرٌ متباين:

تُقيّم الكاتبة في القسم الرابع من المقال مبادرات الصين وتُجادل بأنّ جهود الصين للحصول على الدعم الدولي لمبادراتها تُحقق نتائج متباينة. وبينما يبدو واضحًا التأييد الخطابي للصين من الدول الأخرى وهيئات الأمم المتحدة، فإنّ التأثير الملموس والدعم العام يختلفان عن ذلك. على سبيل المثال، تُظهر مبادرة التنمية العالمية تقدّمًا واعدًا، حيث تمّ إكمال 20% من مشاريعها الأولية واقتراح 200 مشروعٍ آخر. إلاّ أنّ مبادرة الأمن العالمي تُواجه في المقابل تحدّيات عديدة. وفي حين تدّعي الصين النجاح في التوسّط في الحوارات بين بعض الأطراف المتنازعة (مثل النزاع بين إيران والسعودية)، إلاّ أنّ نزاعاتٍ مثل أوكرانيا-الغرب، و”إسرائيل”-فلسطين لا تزال قائمة. بعض الدول تنظر إلى مبادرة الأمن العالمي بشكّ، خوفًا من التحالفات العسكرية المُترتّبة عنها، كما هو الحال مع نيبال. تُعيد مبادرة الحزام والطريق تشكيل الاقتصادات العالمية والمشهد الجيوستراتيجي، لكنّها تواجه نكساتٍ عدّة. وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة، فإنّ انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق (وهي أكبر اقتصاد في هذه المبادرة) وتراجع الحضور في منتديات الحزام، مع حضور 23 قائدًا فقط في منتدى الحزام والطريق لعام 2023 مقارنة بـ 37 في العام 2019، يشير إلى تراجع حماسة بعض الدول تجاه المبادرة. كما أنّ الدول المستقبلة للمشاريع تواجه صعوبةً في سداد الديون، ممّا يثير القلق بشأن استدامة مبادرة الحزام والطريق.

تختلف الآراء العامّة أيضًا بخصوص هذا الموضوع، حيث تحمل الدول ذات الدخل المتوسّط في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجهات نظرٍ أكثر إيجابية تجاه الصين، لكنّ مخاوفها لا تزال قائمة. تُعبِّر دول رابطة الآسيان عن قلقها من نفوذ الصين، كما أنّ قادة الرأي في أمريكا اللاتينية منقسمون ودعم الدول لمبادرات الصين في الأمم المتحدة متباين. فبينما يدعم البعض “طريق الحرير الرقمي للصين”، يقاوم آخرون مقترحات بيجين. إضافةً لذلك فإنّ قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمنع النقاش حول معاملة الصين لأقليّة الإيغور يظهر براعة الصين الدبلوماسية، ولكنّه يثير أيضًا عددًا من الانتقادات. بشكلٍ عام، تُحقّق الجهود الدبلوماسية للصين نتائج متباينة، ممّا يعكس تصوّراتٍ متنوعةٍ وتحدّياتٍ عديدة في تنفيذ مبادراتها على الساحة العالمية.

 

مجابهة النار بالنار:

في القسم الأخير من المقال، تُوضّح إليزابيث إكونومي بعض الأسباب التّي تقف وراء جاذبية الصين العالمية، ثمّ تُقدّم مجموعةً من التوصيات لصناع السياسات الأمريكيين للفوز في المنافسة الطويلة ضدّ الصين. من الواضح أنّ جهود الصين في الترويج لرؤيتها التحويلية من خلال المبادرات سابقة الذكر تكتسب زخمًا، خاصّةً بين أعضاء بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وكذلك في الدول الإفريقية والدول غير الديمقراطية. تتراكم نجاحات بيجين داخل المؤسّسات الكبرى مثل الأمم المتحدة، الأمر الذّي يعزّز سلطتها في الساحة الدولية. تعود جاذبية رؤية الصين، في جزءٍ ما، إلى الاستياء العام من النظام الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة، والذّي يراه الكثيرون غير قادرٍ على معالجة التحدّيات العالمية بفعالية. ينتقد المجتمع الدولي النظام لفشله في مواجهة قضايا مثل الأوبئة، وتغيّر المناخ، والأزمات الاقتصادية، وكذلك لعدم قدرته على تسوية النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الإجراءات الأحادية للولايات المتحدة، مثل فرض العقوبات دون موافقة الأمم المتحدة والانسحاب من الاتفاقيات العالمية، قد قوّضت الثقة في قيادتها.

ترى الكاتبة أنّه وعلى الرغم من المعركة الشاقة التّي تخوضها الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين، فإنّه يجب عليها أن تتبنّى موقفًا هجوميًا كقوة هادفة لإحداث تغييرٍ نظامي. وبتبنّي مقاربةٍ انتهازيةٍ مشابهة لمقاربة الصين، ينبغي على الولايات المتحدة استغلال التحدّيات الاقتصادية والسياسية التّي تواجهها الصين لتعزيز رؤيتها الديناميكية الخاصّة للمستقبل. يجب أن تركّز هذه الرؤية على تعزيز ثورة اقتصادية وتكنولوجية قائمة على الشمولية والازدهار العالمي المشترك. لتجسيد هذه الرؤية، يجب على الولايات المتحدة الدعوة إلى معاييرٍ ومؤسّساتٍ جديدة تدمج الاقتصادات الناشئة وذات الدخل المتوسّط في سلاسل توريدٍ عالميةٍ مرنةٍ ومتنوعة، وشبكاتِ الابتكار، ونُظمِ التصنيع النظيف. تُشكّل مبادراتٌ مثل مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والإطار الاقتصادي لمنطقة الهندو-باسفيك، أساسًا لتعزيز العلاقات مع الشركاء الرئيسيّين، ولكن هناك حاجةٌ إلى المزيد من الجهود لإشراك الدول المنفتحة على رؤية الصين.

أيضًا، يُمثّل الذكاء الاصطناعي فرصةً للولايات المتحدة لإبداء مقاربةٍ جديدةٍ وشاملة في الحوكمة العالمية. وبصفتها رائدة في الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب على الولايات المتحدة التعاون مع دولٍ أخرى من غير حلفائها التقليديين لتطوير لوائح جديدة وتنمية مهارات التدريب للجيل القادم من وظائف الذكاء الاصطناعي. تتناقض هذه المقاربة متعدّدة الأطراف المسؤولة مع دبلوماسية الصين المتمركزة حول الدولة، وتؤكّد التزام الولايات المتحدة بالشمولية والتعاون. باختصار، يجب على الولايات المتحدة أن تتصرّف بحسمٍ لمواجهة نفوذ الصين وتعزيز رؤيتها الخاصّة للحوكمة العالمية. ومن خلال اغتنام الفرص، والدعوة إلى معاييرٍ ومؤسّسات شاملة، والاستفادة من قدراتها التكنولوجية، يمكن للولايات المتحدة تشكيل مستقبل يتماشى مع قيمها ومصالحها.

بالإضافة إلى ذلك، تحتاج واشنطن إلى تسخير قوة القطاع الخاصّ والمجتمع المدني الأمريكي لمواجهة نفوذ الصين بشكلٍ فعّال وتعزيز رؤيتها العالمية الخاصّة. وعلى غرار دمج الصين للمؤسّسات المملوكة للدولة والقطاع الخاصّ في مبادراتٍ مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية، يجب على الولايات المتحدة تعزيز الشَراكات التّي يقودها التعاون الحيوي بين الدولة وريادة الأعمال والمجتمع المدني على الساحة الدولية. وعلى الرغم من الوجود المتزايد للصين، تظلّ الولايات المتحدة مصدرًا أكثر أهمية ورغبةً للاستثمار الأجنبي المباشر والمساعدات في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا وأمريكا اللاتينية. يمكن لواشنطن إنشاء بيئاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ في الخارج تدعم ازدهار الشركات الأمريكية وذلك من خلال الاستفادة من الأهداف الاقتصادية للقطاع الخاصّ، كما يمكن لمَأسَسة الشَرَاكات بين القطاعين العام والخاصّ أن يُوائم الأهداف الأمريكية مع نقاط القوة في القطاع الخاصّ الأمريكي، ممّا يضمن بقاء المبادرات مرنةً عبر التحوّلات السياسية المختلفة.

علاوةً على ذلك، ومع نمو اقتصادات وجيوش الدول الأخرى مقارنةً بالولايات المتحدة، يجب على واشنطن النظر في المقايضات المحتملة. ينبغي عليها إعادة تقييم حدود سياسة العقوبات الخاصّة بها لإبطاء جهود بيجين في التخلّص من الدولار والحفاظ على هيمنة الأخير في المقابل. كما أنّ الإصلاحات في نظام التحالفات الحالي تُعتبر ضروريةً لمواجهة المشهد الأمني المتطوّر الذّي تشكّله قوة الصين العسكرية ودعمها لحلفاءٍ كروسيا. كذلك، فإنّ الاستثمار في أساسيات التنافسية والأمن القومي يُعتبر أمرًا حيويًا لنجاح الولايات المتحدة على المدى الطويل. يشمل ذلك سدّ الشواغر الدبلوماسية، وتعزيز التنافسية الاقتصادية من خلال مبادرات مثل قانون خفض التضخّم وقانون الرقائق والعلوم، والاستثمار في البحث والتطوير والتصنيع المتقدّم. كما أنّ سياسات الهجرة التّي تجذب المواهب العالية والالتزامات بقدراتٍ عسكريةٍ طويلة الأمد تُعتبر ضروريةً أيضًا.

 

في الختام، تشير إليزابيث إيكونومي إلى أنّ الحفاظ على الاستقرار في العلاقة الأمريكية-الصينية هو مفتاح مواجهة التحدّيات العالمية. يمكن تحديد مجالاتٍ جديدةٍ للتعاون، وتوسيع مشاركة المجتمع المدني، وإدارة سياسة تايوان بشكلٍ استراتيجي، وتوضيح الأدوات الاقتصادية لحماية المصالح الأمريكية من أجل المساعدة في إدارة التوتّرات مع تعزيز رؤية واشنطن العالمية. في النهاية، يجب على الولايات المتحدة أن تدافع عن قيم الانفتاح، والشفافية، وسيادة القانون، والمساءلة الرسمية من أجل تقديم بديلٍ إيجابيٍ لرؤية الصين. هذه القيم، التّي تُميّز الديمقراطيات السوقية، تعزّز الابتكار والنمو الاقتصادي والسلام العالمي. هكذا، يقع على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها تشكيل القرن الحادي والعشرين عبر بديلٍ جذّاب يدعم هذه المبادئ.

وهي زميلة أولى في معهد هوفر في جامعة ستانفورد. عملت إيكونومي من العام 2021 إلى العام 2023 مستشارة شؤون خارجية أولى عن الصين في وزارة التجارة بالإدارة الأمريكية الحالية. وكانت في مجلس العلاقات الخارجية، وعملت مستشارة أو باحثة لصالح مؤسّسات مختلفة. وهي كاتبة وخبيرة مشهود لها في السياسة الداخلية والخارجية الصينية. في حزيران/ يونيو 2018، منحتها مجلة بوليتيكو لقب واحدة من عشرة أسماء مهمّة خبيرة في سياسة الصين. لها العديد من الكتب، منها: «الثورة الثالثة: شي جين بينغ والدولة الصينية الجديدة» (2018(، «بكل الوسائل الضرورية: كيف يغيّر بحثُ الصين عن الموارد العالم» (2014) مع مايكل ليف، «النهر الأسود: التحدّي البيئي لمستقبل الصين» (2004). آخر كتبها المنشورة: «العالم كما تراه الصين» (2022).

باحث رئيسي بمركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) التابع لجامعة إسطنبول صباح الدّين زعيم بتركيا. تهتّم أعماله البحثية بمجال الجيوبوليتيك، نظريات العلاقات الدولية، سياسات القوى العظمى والنظام الدولي، جيوبولتيك أوراسيا وبحر الصين الجنوبي وشمال إفريقيا، السياسة الخارجية التركية والسياسة الخارجية الجزائرية. له العديد من الكتب والدراسات والترجمات والملخصّات الأكاديمية المنشورة بالعربية والإنجليزية، من مؤلّفاته كتاب: «الصراع من أجل الإرادة الحرّة: السياسة الخارجية التركية في نظامٍ دوليٍ متغيّر» (الطبعة الثانية: 2024)، «النظام الدولي الليبرالي، صعودٌ أم سقوط؟: جون ميرشايمر في مواجهة جون آيكينبري» (2021)، وكتاب: «آفاق الانتقال الديمقراطي في روسيا» (2015).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *